في إحدى القرى الصغيرة، كان هناك رجل يُدعى “محمود”، عُرف بحسن نيته وكرمه، وكان يعتبر نفسه جزءًا من المجتمع الذي يعيش فيه. كان الرجل معروفًا بحكمته، ورغبته في مساعدة الآخرين في كل ما يستطيع.
كان في القرية عائلة فقيرة فقدت والديها في حادث مؤلم، وكانت تترك وراءها خمس بنات صغيرات لم يكن لهن أي معيل بعد وفاة والدهن. ترك الأب المتوفى خلفه قطعة أرض صغيرة كانت تمثل مصدر رزق العائلة الوحيد. إلا أن الأم كانت غير قادرة على العناية بالأرض، لأنها كانت تعاني من المرض، وكان عمر البنات لا يتعدى سن الطفولة.
قبل وفاتها، كان الأب قد ترك وصية تفيد بأن الأرض ستكون ملكًا لبناته الخمس، على أن يتم بيعها عندما يكبرن، ويتم تقسيم المبلغ الناتج عن بيعها بينهن. ولكن، لأنهن كن ما زلن صغارًا في ذلك الوقت، كان مصير الأرض غامضًا ولا أحد يستطيع الاهتمام بها.
لكن هناك رجل طيب القلب، يُدعى محمود، كان قد سمع عن هذه القضية. قرر محمود أن يلتزم بالعهد الذي تركه الأب، وأخذ على عاتقه مسؤولية الأرض التي كانت مهملة. بدلًا من ترك الأرض تذهب إلى شخص آخر أو بيعها بشكل عشوائي، قرر محمود أن يعتني بالأرض إلى أن تكبر البنات، حتى يتمكن من بيعها حينما يحين الوقت المناسب.
عمل محمود بجد على الأرض، زراعتها وريّها، وتحسينها حتى أصبحت أكثر خصوبة. وفي كل مرة كان يبيع المحصول أو يحقق دخلًا من الأرض، كان يضع المبلغ جانبًا، معتقدًا أن ذلك هو أمانة في رقبته حتى يصل الوقت الذي تتحقق فيه وصية الأب.
مرت السنوات، وكبرت البنات، ولكن محمود كان لا يزال يُحافظ على الأرض ويقوم بأعمال الزراعة. في كل مرة كان يتحدث مع البنات، يشرح لهن كيف أن الأرض لا تزال تحت سيطرته، وأنه سيبيعها عندما يصبحن في سن الرشد، ليتوزع المبلغ عليهن بشكل عادل. وقد عمل على تعليمهن أن الأمانة والصدق هما الطريق الأمثل في التعامل مع ممتلكات الآخرين.
وعندما كبرت البنات وأصبحن قادرات على اتخاذ قراراتهن، قررن أخيرًا بيع الأرض، وذلك بعد أن كسبت قيمتها السوقية بشكل كبير نتيجة للعمل الذي قام به محمود. وعندما تم بيع الأرض، تم تقسيم المبلغ الناتج بين البنات الخمس.
لكن ما لم تتوقعه البنات كان موقف محمود. لم يطلب أي شيء من المبلغ الذي تم جمعه من بيع الأرض. بل قال لهن: “لقد كانت هذه الأمانة التي تحملتها، ولم أفعل ذلك إلا لأنني أردت أن أحقق وعد والدكم. أنتم اليوم قادرون على العيش بشكل مستقل، وأنا سعيد بأنني ساهمت في تحقيق ذلك.”
وقتها، لم تستطيع البنات أن يعبرن بالكلمات عن مدى الامتنان الذي شعرن به. لم يكن المال هو ما أَثَّر عليهن، بل كانت أفعال محمود الطيبة وإخلاصه هو ما جعلهن يشعرن بالأمان والراحة النفسية.
الخاتمة
قصة محمود هي مثال حي على الأمانة والصدق. فالرجل الذي احتفظ بالأرض ليس لأنه أراد مكاسب شخصية، بل لأنه كان يتبع مبدأ أن العون الحقيقي يكمن في الوفاء بالوعود وتحقيق العدالة. وهذا الموقف علم البنات درسًا مهمًا في حياتهن: أن الإنسان لا ينبغي أن ينسى قيمه أبدًا، وأن الأمانة في التعامل مع الآخرين هي أساس الحياة الطيبة.
الحكمة:
“الأمانة والوفاء بالوعود هما أساس العلاقات الإنسانية والنجاح الحقيقي في الحياة. فالعون الصادق الذي يُقدَّم من القلب، دون انتظار مقابل، يعكس أسمى معاني الإنسانية، ويترك أثراً دائماً في نفوس الآخرين.”
هذه القصة تبرز أهمية الوفاء بالوعود، والصدق في التعامل مع الآخرين، خصوصًا في المواقف التي تتطلب أمانة وحسًّا عاليًا من المسؤولية.
الكاتب : يوسف المعولي